البديل
5 ثورات في العصر الحديث.. مازال الكفاح مستمرا

"المصريون عبيد لمن ملكهم"، هكذا وصف بعض المؤرخين الشعب المصري؛ لما رأوه فيه من وداعة وقناعة وحب للسلام وكره للعنف. ورمى المؤرخون الشعب المصري بهذا الوصف المشين لجهلهم به وبمعدنه النفيس، غير أنهم لم يفطنوا أيضًا لعنصري الشعب المصري، وهما: العنصر القبطي ـ وهو الأقدم في مصر ـ الذي شهد له التاريخ بالأصالة والحضارة، وما أبداه من إيجابية تجاه محتله، فصب عليه ملوك الروم ألوانًا من العذاب والتنكيل، والعنصر الثاني وهو العنصر الحديث الغني عن الإشارة لثوراته وغاراته، من ثم نعرض في هذا التقرير أبرز الثورات المصرية الحديثة؛ حتى لا يصاب الشعب المصري بالوهن تجاه وصف بعض المؤرخين.
ثورة مجلس الشرع
كان للأزهر دوره الفعّال في العصر الإسلامي منذ أنشئ، ولا سيما في العصر الحديث، إذ كانت عين الأزهر ترى بوضوح كل كبيرة وصغيرة داخل الدولة، وظهر هذا جليًّا عندما استبد الحاكم التركي "خورشيد باشا"، وظلم الرعية ظلمًا بيّنًا، هنا ثار الشعب المصري ثورة كبيرة، قادها مجلس الشرع، المكون من علماء الأزهر، ضد هذا الوالي المستبد، وبالفعل نجحت ثورتهم، وخُلِعَ الوالي، رغم أنه كان مُنصّبًا من قِبَل السلطان آنذاك، وذلك سنة 1220هـ / 1805م، ثم قال السيد عمر مكرم نيابة عن مجلس الشرع "إن الأمة هي مصدر السلطات، وإن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل. ولقد جرت العادة من قديم الزمن أن أهل البلاد يعزلون الولاة، حتى الخليفة والسلطان إذا ساروا فيها بالجور، فإن أهل البلد يعزلون ويخلعون...".
ومن عظيم ما أتت به هذه الثورة أن الشعب هو الذي اختار حاكمه محمد على باشا، رغم رفض السلطان العثماني في البداية، إلا أنه نزل عن رغبته لإصرار الشعب على متطلباته، إذ لا صوت يعلو فوق صوت الشعب.
ثورة عرابي
"لقد ورثناكم من آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا..."، كان هذا رد الخديوِ توفيق عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فجاء وبالًا عليه بثورة شعبية كبرى عام 1298هـ /1881م، قادها أحمد عرابي، مردّدًا بميدان عابدين كلمات الفاروق عمر بن الخطاب "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا. ووالله الذي لا إله غيره إننا لن نورث ولن نُستعبد بعد اليوم...". وبإرادة الشعب المصري استمرت هذه الثورة لأكثر من عامين، ولم تنتهِ إلا عندما جاء الاحتلال الإنجليزي لمصر.
ثورة سعد زغلول
لم تتوقف ثورات هذا الشعب العظيم بمجيء الاحتلال أو عدمه؛ إذ لا سبيل لظالم أن يمكث فيها. ففي الوقت الذي يظن فيه الاحتلال أنه الأعلى صوتًا، يأتي صوت الشعب؛ ليخرس كل صوت غير صوت الحق. وفي هذه المرة، وتحديدًا في عام 1337هـ-1919م، كان القائد هو سعد زغلول، نبتة من نبات الأزهر الطيب، والذي ثار الشعب المصري بقيادته ضد الاحتلال الغاشم، فدامت ثورته لأكثر من عامين أيضًا، وكان للأزهر دوره المشهود في هذه الثورة، حتى لم يجد الإنجليز بدًّا من اقتحامه، وعاثوا فيه الفساد، كما فعل بونابرت إبان الثورة على الاحتلال الفرنسي.
ثورة الضباط الأحرار
توجت هذه الثورات بالثورة الفاصلة، التي قام بها الضباط الأحرار، بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1371هـ/1952م، الذي أودعه الشعب المصري كل شيء، فوهبهم الكرامة والسيادة في العالم.
فُجِّرَت هذه الثورة ضد استبداد الملك وظلمه؛ لكي تنهي عصر السادة والعبيد، فيكون الشعب المصري واحدًا لا تمييز فيه بين أحد على حساب الآخر، بعد أن كان كل شيء حكرًا على الطبقة المالكة دون سواها من الشعب.
ثورة يناير
جاءت هذه الثورة عكس ما سبقها من ثورات، فلم يفجرها سوى الشباب، وهو الذي لم يعاصر ثورة من قبل، فجاءت ثورته لتخبر عن مكنون هذا الشباب الثائر بطبعه.
في 25 يناير لعام 1432هـ/2011م رفض الشباب أن تشيخ دولتهم، فخرج بالملايين إلى الميادين؛ مما حمل الآباء والأجداد على الخروج؛ وذلك لما انتابهم من جرأة عند خروج الشباب، فجاء هذا الانخراط والتوحد من جميع فئات الشعب؛ ليمثل نوعًا متغايرًا في شعبية الثورة التي ميزتها عن غيرها من الثورات في العصر الحديث.
الخلاصة أن الشعب المصري ليس كما وصفهم بعض المؤرخين الجاهلين لطبيعته، فهو لا يخشى الموت، ولا يتوانى عن الخروج أمام كل ظالم، وكان هذا رده على من اعتعدى على حقوقه من مأكل وملبس، فما بالك برده على من اعتدى على كرامته، وباع الأرض والعرض؟
The post 5 ثورات في العصر الحديث.. مازال الكفاح مستمرا appeared first on البديل.