مذ خلق الله الأرض ومصر عينها، وقد حباها الله الكثير من الخيرات، ووهبها حضارة وموارد وموقعا لا مثيل لهما في الأرض، فمن ثم لم تخف مصر ولم يخف دورها منذ وجدت، ولهذا كانت أول ما تقع عليه الأنظار من قبل الخلفاء الذين يريدون أن ينشئوا خلافة أو امبراطورية عظيمة، ولكن اختلف أمر من جاء إليها ومن ملكها فمنهم من اتخذها خزانة له ولجنده، لا يأبه بشعبها ولا ما يلاقيه، فهؤلاء سرعان ما تسربت مصر من أيديهم، ومنهم من اتخذها لتكون منارة له في العالم وتنطلق من خلالها خلافته، فأحبته الأرض وأحبه شعبها، من خلال هذا التقرير نستعرض أبرز من تولوا حكم مصر في القديم والحديث.
تحتمس الثالث
سادس فراعنة الأسرة الثامنة عشر وأعظم حكام مصر وأقوى الأباطرة في التاريخ، يعد المؤسس لأول امبراطورية مصرية في التاريخ.
بنى تحتمس الثالث القلاع والحصون، وقام بتدريب الجنود على أفضل التدريبات وإمدادهم بأسلحة مبتكرة قوية مثل النبال المستحدثة والتوسع في استخدام العربات في القتال، وفي معركة مجدو قسم جيشه إلى قلب وجناحين واستخدم تكتيكات عسكرية ومناورات لم تكن معروفة من قبل. ثم قام على رأس جيشه من القنطرة إلى غزة، ثم التقى بتحالف أمراء البلاد الآسيوية في الشام تحت قيادة أمير قادش، فأوقع بهم الهزيمة وفروا أمامه.
بعد قيام تحتمس الثالث بتأمين البلاد وغزو بلاد الجوار لمنع هجومهم على مصر، اهتم بشؤون إدارة تلك البلاد الواسعة التي تمتد من حدود العراق الغربية الحالية وشمال سوريا إلى الجنوب على طول مجرى نهر النيل جنوبا حتى الشلال الرابع في وسط السودان الحالي، ونصب لكل من تلك البلاد خارج مصر واليا من مصر لحكمهم وتأمين البلاد، يساعد الوالي في حكم البلد موظفون إداريون وكتبة. وكان الوالي مسؤولا أيضا عن تموين قوات الجيش المصري القائمة هناك وكذلك جمع الجزية من السكان.
رمسيس الثاني
أشهر الملوك الفراعنة على الإطلاق، حيث قام بنهضة شاملة في مصر التي حكمها لمدو 66 عاما، رغم أنه تولى الحكم في سن مبكرة في أوائل العشرينات، فخلد ذكر الأسرة التاسعة عشر، حيث أنه ثالث فراعنها، وهو ابن الملك سيتي الأول والملكة توبا.
وجه اهتمامه إلى توطيد حكمه، فأمر بإنهاء كافة الأعمال غير المُنجزة والتي قد بدأها والده كمعبد أبيدوس، ثم فكر بعد ذلك في استغلال مناجم الصحراء متبعًا في ذلك سياسة والده، وفي حوالي السنة الرابعة من عهده، ذهب بحملة إلى أطراف آسيا لتوطيد النفوذ المصري والاطمئنان على الموانئ والمواصلات، ثم عاد بعد ذلك خلال عامه الخامس للصدام بالحيثيين وكان ذلك في معركة قادش، كما قاد أيضا حملات جنوب الشلال الأول إلى بلاد النوبة.
ترك رمسيس الثاني عددا كبيرا من المباني التي فاق بها أقرانه من الملوك، فقد أتم المعبد الذي بدأه والده في أبيدوس، ثم بنى معبدا صغيرا خاصا به بجواره، وأتم بناء معبد الكرنك الذي بدأه جده رمسيس الأول، وأقام في طيبة معبد سمي بالرامسيوم نسبة له، كما أقام معبد أبو سمبل ومعبد زوجته نفرتاري، هذا غير الكثير من المسلات التي أنشأها.
جوهر الصقلي
احتل جوهر الصقلي مساحة كبيرة من كتب التاريخ، مما جعله في عداد القادة العالميين، الذين يضمون إلى جانب خبرتهم العسكرية معرفتهم بإدارة البلاد، وسياسة الشعوب، واختيار المعاونين والأصحاب، فكما يُقال: الرجل العظيم هو الذي يخلق الظروف، ويرغم الحوادث على السير وفق إرادته، وكان جوهر هكذا، ومن هنا لما كانت مصر تعج بالفوضى أثناء حكم العباسيين وهي على مشارف الفتح الفاطمي، كان لا بد لها من قائد بارع لا يعرف الإخفاق، فأرسل المعز لدين الله قائده جوهر الصقلي ففتحها، ثم أرسل إلى أهل النوبة يدعوهم للإسلام أو الجزية فأسلموا واستمرت العلاقة بينهم حسنة.
حفر جوهر لنفسه في مصر اسما لم يمحه الزمن مهما مر، فهو الذي أنشأ القاهرة وجعلها عاصمة له، فأصبحت مهبطا للعلم والأدب والشعر، وأنشأ الأزهر أيضا وهو منارة الإسلام في العالم الإسلامي.
بيبرس
ركن الدين ـ هكذا لقبه السلطان نجم الدين أيوب ـ بيبرس البندقداري، رابع سلاطين الدولة المملوكية المؤسس الحقيقي لها، أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي، تولى عرش مصر عام 1260م فحكم حوالى 18 عاما، لقب نفسه بالظاهر، لم يقتصر رخاء عصر بيبرس على مصر فقط، بل جدد بناء قبة الصخرة في القدس، وأعاد الضياع الخاصة بوقف الخليل في فلسطين، غير أنه أحيا الخلافة العباسية بأنه أرسل إلى أبوالقاسم أحمد ابن الخليفه الظاهر أبونصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء لدين الله العباسى، واستقبله استقبالا كبيرا ثم بايعه بالخلافة، ومن ثم أصبح بيبرس سلطانا شرعيا من خلال الخلافة التي أحياها، هذا غير ما شيده من انشاءات تشهد بنهضته وبفضله.
أما عن توسعاته وحروبه، فعند توليه الحكم كان موت هولاكو وكانت العراق في قبضتهم آنذاك، فحاول المغول الثأر لهزيمتهم في عين جالوت فأغاروا على البيرة على نهر الفرات، فأرسل لهم بيبرس جيشا طهر به منطقة الفرات بأجمعها، وعن الصليبيين فكانوا يحتلون الشام فقام بيبرس على جيش كبير ضم من خلاله قيسارية وأرسوف وصفد، وعن الجليل في فلسطين فقد اكتسحها إلى الساحل، وكان لا يميل لمهادنة المغول والصليبيين كما كان يفعل صلاح الدين الأيوبي، كما استولى أيضا على أنطاكية وهي إمارة صليبية منيعة، كان بيبرس أيضا لا يرحم من يتآمر ضده، فقد أرسل حملة بحرية على قبرص لتأديب ملكها الذي يعمل على جمع شتات الصليبيين، كما غزا أرمينيا، وأغار على سلاجقة الروم الذين كانوا يعاونون المغول ضده.
محمد علي
مؤسس مصر الحديثة استطاع أن يعتلي عرش مصر عام 1805م بعد أن بايعه أعيان البلاد ـ وعلى رأسهم علماء الأزهر ـ ليكون واليًا عليها، وهذا بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر في حكم مصر لكل تلك الفترة، ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.
خاض محمد علي في بداية فترة حكمه حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصر بالكليّة، ثم خاض حروبًا بالوكالة عن الدولة العلية في جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في نفسه، واستطاع هذا القائد ان يتخطى بحدود مصر الحديثة إلى الشام والعراق والجزيرة العربية التى من ضمنها السعودية، خلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل في تلك الفترة.
جمال عبد الناصر
ولد جمال عبد الناصر لا ليكون زعيما على مصر فقط، بل للأمة العربية بأكملها، وهذا ما ظهر بعد ثورة 23يوليو التي قام بها الضباط الأحرار وهو كان أبرزهم إن لم يكن زعيمهم، فقد أودت هذه الثورة بالنظام الملكي، وبداية عصر الجمهورية، ولم يكن الزعيم جمال عبدالناصر يريد للعرب أن يتفككوا بسقوط الخلافة بل أراد حريتهم مع ترابطهم، والدليل على ذلك ما سعى له من قومية عربية، كان لمصر في عهد الرجل كرامة لم تعهدها من قبل، حتى في أزهى عصور الإسلام، غير أنه كان يهتم لأمر العرب جميعا مثلها مثل مصر، ومن أعماله التي لا تخفى تأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، وإنشاء الكثير من المصانع وأكبر إذاعة للقرآن الكريم في العالم، وافتتاح مدينة البعوث، هذا بالإضافة لموقفه المشرف تجاه جزيرتي تيران وصنافير.
The post قادة أحبوا مصر فأحبتهم appeared first on البديل.