البديل
أصوات السماء| محمد عمران.. سيد المنشدين
“الليل أقبلَ والوجُودُ سُكُونُ.. بالليلِ راحت تستريحُ جُفونُ.. وهناكَ أحلامُ الخيال توافدت.. تسري فتسبحُ فى الخيالِ عيونُ.. والروح تمضي فى مجالاتِ العلا.. وهناكَ فى نهرِ الصفاءِ تكونُ فضلٌ من اللهِ العظيمِ على الورى.. ليلٌ يجيءُ وسرهُ مكنونُ..فى الليل يارب وفي الأسحارِ.. أدعوك يا اللهُ وأنت الباري.. أنت الذي أوجدتنا وخلقتنا.. أنت العليمُ بدقةِ الأسرارِ.. بيديكَ أنت الأمرُ ياربَ الورى وإليك.. وإليك وإليك يرجعُ محكمُ الأقدارِ”.
من منا لم يستمع إلى ابتهالات الشيخ عمران وخاصة “الليل أقبل والوجود سكون”؟ فهو الصوت الذي يجعلك تسبح في عالم آخر، تغوص معه فى رحلة روحانية تنسيك هموم الدنيا، بل الدنيا كلها.
نشأته
ولد الشيخ محمد عمران بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج في أكتوبر عام 1944، وكان قوي البنيان يبهر من يراه، فقال عنه عمه الأكبر وهو في الخامسة من عمره: “أنت لو طلعت كده تهد جبال”، ليفقد بصره، ويستكمل باقي حياته على هذا الحال.
لم يمنعه فقدان البصر من الذهاب إلى الكتاب وتلقي العلم وحفظ القرآن الكريم، ليتمه على يد الشيخ محمد عبد الرحمن المصري وهو في العاشرة، وكان الشيخ عمران محبًّا للسهر والجلوس مع أصدقائه، فكان ضاحك الوجه دائمًا، وبعد أن جود القرآن على يد الشيخ محمود جنوط، التحق بمعهد المكفوفين للموسيقى؛ ليتعلم فن الإنشاد وكيفية إلقائه والمقامات الصوتية والنوتات مع الشيخ سيد موسى الكبير.
وجمعت الشيخ عمران علاقة طيبة بجميع المنشدين، من بينهم النقشبندي والهلباوي، وفي القاهرة عاش بحلوان، وكان يعمل بجانب الدراسة قارئًا بمسجد شركة حلوان للمسبوكات، وكان لصوته العذب صدى كبير في نفوس المصلين من العمال، حتى اشتهر اسمه بينهم، وحقق قاعدة جماهيرية كبيرة. ونجح في اختبار الإذاعة المصرية، وتم اعتماده مبتهلاً، ومن أبرز أعماله: “أسلمت وجهي للذي أحياني”، “النور أشرق”، و”فكم لله من لطف خفي”.
الموسيقى والشيخ عمران
تعاون الشيخ محمد عمران مع كبار الملحنين، أمثال زكريا أحمد، وسيد مكاوي، وكان صوته القوي يحرك المشاعر لما له من تناغم موسيقي وشجن، وقال عنه الشيخ مصطفى إسماعيل أبرز شيوخ التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، الذي قرأ القرآن بأكثر من 19 مقامًا، وعُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل في القراءة التجويدية: “لو استمعتم بتمعّن للشيخ محمد عمران لوجدتموه قارئًا يتقن علم المقامات الصوتية على الإطلاق، فقد استمعت له كثيرًا من تلاوات إذاعية وخارجية وابتهالات وموشحات، فما وجدت منه نشازًا ولا خروجًا عن المقام الذي يقرأ به أبدًا”.
لقاؤه بموسيقار الأجيال
أول مرة استمع فيها الموسيقار محمد عبد الوهاب إليه، أعجب به، فعندما قبل عمران دعوة عبد الوهاب في بيته بصحبة الموسيقار عبده داغر، وأنشد الشيخ مقطوعته، التي يبدأ مطلعها بـ “يا سيد الكونين جئتك قاصدًا.. أرجو رضاك وأحتمي بحماكَ.. والله يا خير الخلائق إن لي.. قلبًا مشوقًا لا يروم سواكَ.. وحق جاهك إنني بك مغرم.. و الله يعلم أنني أهواكَ.. أنت الذي لولاك ما خُلق امرؤ.. كلا ولا خُلق الورى لولاكَ”، أعجب بها جدًّا، واستمرت لمدة 40 دقيقة.
الشيخ عمران وداغر
كون الموسيقار عبده داغر مع الشيخ عمران ثنائيًّا مميزًا في الحفلات الدينية، حيث كانت السهرات تقام ببيت “داغر” يوميًّا، وقدما فيها سويًّا عشرات الأغنيات، مثل: “حلم، يا من هواه أعزه وأذلني، فرح الزمان، اليوم حان الموعد، ناجاك قلبي خاشعًا ولساني”، وجمعته أيضًا علاقة قوية بكوكب الشرق أم كلثوم، التي كان يعلمها إخراج الأغاني من مقامات الموسيقى.
فى 6 أكتوبر 1994 رحل الشيخ محمد عمران، تاركًا خلفه ثروة كبيرة من التسجيلات الخالدة والنادرة.
The post أصوات السماء| محمد عمران.. سيد المنشدين appeared first on البديل.