البديل
قلعة الجبل.. الدار الثامنة للإمارة والملك
تعد قلعة الجبل التي بناها صلاح الدين الأيوبي، الموضع الثامن للملك وإدارة البلاد، كما قال المقريزي، الذي أوضح أن دار الملك كانت أولا ـ قبل الطوفان ـ مدينة أمسوس، ثم انتقلت إلى مدينة منف التي خربها “بخت نصر”، لتحل الإسكندرية التي شيدها الإسكندر بن فيليبش محلها، حتى جاء الفتح الإسلامي وجاء معه بناء الفسطاط، لتصبح دار الملك أيضا إلى أن زالت دولة بني أمية، وأقيمت “عساكر” بني العباس، وهنا تناوب الأمراء تارة بين العساكر وأخرى بين الفسطاط، إلى أن جاءت الدولة الطولونية.
وأنشأ أحمد بن طولون القصر والميدان وعاصمته القطائع، وأصبحت القطائع دار الإماراة والملك، وبعد زوال دولة بني طولون، عاد الأمراء إلى العساكر، حتى جاء جوهر الصقلي بجيوش المعز لدين الله ثم أنشأ القاهرة، فأصبحت مقر الخلافة والإمارة ومنزل الملك، حتى أنشأ قلعته “الجبل” لتكون مقر الحكم والملك حتى انتهت دولة بني أيوب على أيدي المماليك البحرية.
وكان في موضع الجبل قبل بنائها قبة تعرف بـ”الهواء”، بناها حاتم بن حرثمة، ثم اعتنى بها أحمد بن طولون عندما بنى قصره ومدينة القطائع وميدانه، وكان كثيرا ما يقيم فيها، ثم اعتنى بها ابنه خمارويه من بعده، وعندما زالت الدولة الطولونية وخرب القصر والميدان، كانت قبة الهواء مما خرب أيضا، وأقيم مكانها مقبرة ومجموعة من المساجد، منها سعد الدولة، ومعز الدولة، ومقدم بن عليان من بني بويه الديلمي، وغيرها من المساجد، وقال الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة، في كتابه “النقط في الخطط” إن قلعة الجبل احتوت على جميع المساجد التي كانت على الجبل والمطلة على القاهرة المعزية.
وعن سبب بناء القلعة، قال المقريزي، إن صلاح الدين بعدما أزال الدولة الفاطمية واستبد بالأمر، لم يتحول من دار الوزارة بالقاهرة، ولم يزل خائفا على نفسه من شيعة الخلفاء الفاطميين بمصر، ومن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سلطان الشام، فلما مات الأخير، أحب صلاح الدين أن يجعل لنفسه معقلا بمصر، فأراد أن يختار مكانا مناسبا لقلعته، فعلق اللحم بالقاهر، فتغير بعد يوم وليلة، وعندما علقه بمكان القلعة الآن، تغير بعد يومين وليلتين، فأمر ببناء قلعته، وجعل أميره بهاء الدين قراقوش الأسدي مشرفا على بنائها، فهدم ما هناك من مساجد وأزال القبور وهدم أهرامات صغيرة كانت بالجيزة، ثم نقل حجارتها، فبنى بها السور والقلعة وقناطر الجيزة، وكان يريد أن يكمل السور حتى يحيط بالقاهرة والقلعة بشكل كامل، إلا أنه مات قبل ذلك، فأهمل البناء فترة إلى أن أتم بناءها الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وسكنها حتى مات.
وتعد قلعة الجبل من أهم وأفخم القلاع الإسلامية على الإطلاق؛ فموقعها استراتيجي من الطراز الأول، فمن خلالها تستطيع المحافظة والسيطرة على مدينتي القاهرة والفسطاط، وفي الوقت ذاته، تعتبر حاجزا طبيعيا مرتفعا بين المدينتين ويسهل من خلالها الاتصال بهما، غير أن المدينتين إذا سقطوا ستكون معقلا قويا للتحصين من العدو، ولعل ذلك مرجعه إلى ذكاء صلاح الدين في حفر بئر داخلها، يزود من بها بالماء في حالة الحصار، وجاء البئر بعمق ما يقرب من 90 مترا من مستوى أرض القلعة.
وتضمنت القلعة عدة أبواب؛ تحسبا لما قد يحدث من هجوم أو تحصين بها، وأشهرهم، الفاصل بين القلعة وبين المدينة، ويعرف الآن باسم بوابة المتحف الحربي، أما باب المقطم، كان يعرف بباب الجبل لإشرافه على جبل المقطم، والآن يعرف باسم بوابة صلاح سالم، بالإضافة إلى الباب الجديد الذي أنشأه محمد علي باشا ليكون بدلا من الباب الرئيس “المدرج” الذي أنشأه صلاح الدين.
The post قلعة الجبل.. الدار الثامنة للإمارة والملك appeared first on البديل.