منذ وطئ تنظيم داعش أرض العراق حل الخراب بتلك الدولة التي كانت منذ القدم مهدا لحضارات مختلفة تركت خلفها تراثا حضاريا لا يقدر بثمن، وقد نال محافظة نينوي، وتحديدا مدينة الموصل التي سقطت في أيدي التنظيم عام 2014، نصيب الأسد جراء سيطرة التنظيم عليها، بتخريب وتدمير الآثار العراقية التي يعود تاريخها إلى حضارات عدة مرت على أرض العراق من أكدية، سومورية، كاشورية، أشورية، كلدانية، فارسية، سلوقية، بارثينية، ساسانية، وماتبعها من العهد الإسلامي، حيث تفاخر التنظيم الإرهابي بمحوه لهذا التراث العراقي بدعوى أنه شرك بالله.
في مطلع 2015، قام تنظيم داعش الإرهابي بتدمير متحف الموصل الذي يضم بين طياته آثارا من حقب مختلفة هي الآشورية والهلنستية والإسلامية، حيث دمر التنظيم آثارًا يعود بعضها إلى فترة ما قبل ميلاد المسيح، كما شملت قائمة الآثار المدمرة تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين، وتمثال للثور الآشورى المجنح داخل المتحف يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وقال خبراء الآثار إن القطع التي دمرها التنظيم في المتحف شملت قطعا أصلية، وأخرى أعيد بناؤها من قطع مبعثرة، إلى جانب نسخ عن قطع أصلية موجودة في متاحف أخرى.
كما دمرت عناصر التنظيم تمثالا لثور مجنح موجود في “بوابة نركال” الأثرية بمدينة الموصل يبلغ طوله 4.42 مترا، ويزن أكثر من 30 طنا، وهو تمثال بجسم ثور وجناحي نسر ورأس إنسان، وواصل التنظيم جرائمه التاريخية بتفجيره جزءا من “سور نينوى” التاريخي الذي يعود للحضارة الآشورية، حيث يعتبر السور واحدًا من الآثار المميزة في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة، فضلًا عن أنه شاهد على عظمة الحضارة الآشورية وقوتها منذ آلاف السنين.
وواصل التنظيم نزعته الجنونية في إخفاء كل ما هو تاريخي وتراثي بتدمير تمثال بوذا النادر والوحيد من نوعه، إضافة إلى بعض القبور والأضرحة، واستخدم التنظيم في عمليات التدمير أدوات يدوية وكهربائية، فضلا عن تفجير المبنى المركزي لمكتبة الموصل في منطقة الفيصيلة وسط المدينة، وحرق محتوياتها من الكتب والوثائق والمخطوطات التي بينها مؤلفات نادرة.
رغبة التنظيم في الهدم والتخريب لم تقف عند الآثار فقط، وإنما امتدت لتشمل المساجد، وكان من أبرزها مسجد الخضر الأثري الواقع في وسط الموصل، والذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، وفجره الدواعش بدعوى أنه يضم أحد الأضرحة، وهو ما يعتبرونه شركا بالله.
دار الإفتاء المصرية، من جانبها، ردت على ما فعله “داعش” بالآثار، في بيان أصدرته، قالت فيه: “إن الآراء الشاذة التي اعتمد عليها داعش في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية، ذلك أن تلك الآثار كانت موجودة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها”.
وأضافت: “إن الصحابة جاؤوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأيا شرعيا يمس هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة، فهي من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع، وتاليا فإن من تسول له نفسه، ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تاريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء في بلاده، فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي”.
حتى هذه اللحظة، لا تزال الآثار العراقية في خطر شديد، خصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم بالعراق، رغم انطلاق عملية لتحرير الموصل من قبضة التنظيم، الذي سيذكر التاريخ أنه تخطى وحشية المغول في طمس كل ما هو تاريخي.
The post داعش.. مغول العصر appeared first on البديل.