البديل
كيف غير البوعزيزي اتجاهات السينما العربية؟
لم يخطر ببال الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، أنه سيكون العامل الرئيسي في تغيير شكل المنطقة العربية خلال الفترة التي تلت مغادرته الحياة، بدءًا من تونس فمصر وليبيا وسوريا سياسيًّا واقتصاديًا واجتماعيًّا بل وفنيًّا.
فالمتتبع لمسيرة السينما خلال الفترة التي سبقت الربيع العربي سيجد أن منتجها الذي قدمته خلال تلك الحقب لم يركز فعليًّا على ما تعانيه شعوب المنطقة من تدهور وضعها المادي وطغيان الفساد والمحسوبية والظلم عليها إلا القليل منها، الذي ناقش هذه القضايا على استحياء خوفًا من بطش الأنظمة الحاكمة وقتها.
وفي التقرير التالي سنتناول وضع السينما بعد الثورة في دولتين فقط هما تونس ومصر، نظرًا لأنهما الدولتان اللتان قصتا شريط الربيع العربي، عبر ثلاثة أمثلة لأفلام أنتجت بعد الثورة، تبعها إنتاج سينمائي كثير لا متسع له هنا.
السينما التونسية
تغيرت النظرة التي تناولتها الأفلام التونسية التي تلت ثورة الياسمين، وركزت معظم المضامين على الثورة وتوابعها على المجتمع التونسي.
مانموتش
عرض الفيلم عام 2012، وهو من إخراج نوري بوزيد، حيث ركز على الصراعات والتناقضات العائلية والمجتمعية في مرحلة ما بعد الثورة التونسية، ولم يركز المخرج على الثورة نفسها، وإنما على عملية الحرية كفكرة وما تواجهه داخل المجتمع من اصطدامها بالديكتاتورية، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما عائشة الفتاة المتحجبة التي عانت من خطيبها المتشدد دينيًّا، الذي كان محبوسًا في سجون بن علي، وخرج إلى النور بعد الثورة؛ ليمارس ديكتاتوريته على خطيبته، مقابل البطلة الثانية، وهي زينب، تلك الفتاة التي يطلب منها خطيبها ارتداء الحجاب رضاءً لأمه فقط، دون أن يحاول إقناعها، حيث حاول مخرج الفيلم التركيز على فكرة أن المجتمع رغم قيامه بثورة ضد الظلم، إلا أنه ما زال يحمل بداخله عقلية السطوة والرأي الواحد والتطرف.
القناص
الفيلم درامي أنتج عام 2012، وتدور أحداثه حول القناصين المتهمين بقتل الثوار خلال ثورة الياسمين، وما يحيط بالقضية من غموض كبير نتج عنه عدم الوصول إلى قتلة الثوار الحقيقيين. ويروي الفيلم قصّة “مجيد”، ذلك الشاب التونسي المغترب الذي قضى 16 عامًا بعيدًا عن بلاده، وعاد إلى وطنه عقب الثورة؛ للكشف عن “القناص” الذي تمكن من اغتيال أخيه الصحفي “شكيب” برصاصة في الرأس خلال أحداث سيدي بوزيد.
زهرة حلب
الفيلم للمخرج رضا الباهي ومن بطولة هند صبري. تدور أحداثه حول التحولات الكبيرة التي شهدتها تونس بعد الثورة وطغيان عامل التطرف والإرهاب على فكر الكثير من شبابها عن طريق سفرهم إلى سوريا للجهاد كما يدعون، رغم ما كانت تدعو إليه الثورة من الحرية وتحقيق العدل والمساواة بين الجميع. تدور أحداث الفيلم حول أم تونسية اسمها “سلمى”، تقوم بدورها الفنانة التونسية هند صبري، تعاني من معاناة كبيرة بعد أن سافر ابنها مراد إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات المسلحة التي تحارب النظام السوري.
السينما المصرية
انبرى صناع السينما المصرية بعد ثورة يناير في رصد الواقع المصري وتوابع الثورة عليه، حيث أرخت بعض الأفلام وقائع الثورة، أما البعض الآخر فرصد نتائج الثورة على السلوك المجتمعي.
بعد الموقعة
الفيلم من إخراج يسري نصر الله وبطولة منة شلبي وباسم سمرة، أنتح عام 2012، وتدور أحداثه في الفترة من موقعة الجمل حتى أحداث ماسبيرو، حول باسم سمرة، ذلك الخيَّال الذي كان في بداية الفيلم ضد متظاهري التحرير، وشارك في موقعة الجمل دفاعًا عن النظام وأعوانه، ويملتئ الفيلم بالعديد من الصراعات من أبرزها ارتباطه عاطفيًّا بمنة شلبي، تلك الفتاة التي تبحث عن المسؤول عن موقعة الجمل، وينتج عنه تحول شخصية سمرة للوقوف إلى جانب الثوار والدفاع عنهم، حتى يلقى حتفه دفاعًا عنهم في موقعة ماسبيرو.
نوارة
الفيلم إخراج هالة خليل وبطولة منة شلبي وأمير صلاح الدين. تدور أحداثه عقب اندلاع ثورة يناير، راصدًا الفجوة الكبيرة بين حياة الأغنياء والفقراء في مصر، ومسألة إعادة أموال مصر المنهوبة في الخارج وما تبعها من إطلاق البعض شائعات مفادها حصول كل فرد من أفراد الشعب على مبلغ مالي من هذه الأموال، إضافة إلى قضية هروب بعض رجال الأعمال إلى الخارج عقب الثورة. وينتهي الفيلم نهاية غير متوقعة باتهام منة شلبي تلك الفتاة الفقيرة التي كانت تحلم بنصيبها من هذه الأموال بالسرقة والقبض عليها.
اشتباك
الفيلم إخراج محمد دياب بطولة نيللي كريم ومحمد عادل. تدور أحداثه عقب إسقاط نظام الإخوان داخل إحدى سيارات الشرطة ذات النوافذ الحديدية، والتي تضم أشخاصًا من الإخوان وغيرهم من ذوي الاتجاهات السياسية وآخرين قبض عليهم صدفة؛ لوجودهم في الشارع بين المتظاهرين، حيث يسقط الضحايا من كل الأطراف حتى من ليسوا طرفًا في الصراع.
تعرض الفيلم لهجمة شرسة من وسائل الإعلام المصرية، وذلك عقب عرضه في افتتاح مسابقة “نظرة ما” بمهرجان القاهرة السينمائي، التي تعرض الأفلام الأولى أو الثانية للمخرجين الجدد، حيث اعتبرت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام أن الفيلم يشوه صورة مصر خارجيًّا.
وعند عرض الفيلم في دور السينما خلال يوليو الماضي، تعرض للتضييق من جهات غير معلومة لإسقاطه قبل عرضه على الجمهور، الأمر الذي دفع مخرج الفيلم محمد دياب إلى مطالبة الجمهور بدعم الفيلم حتى يخرج للنور، فدشن مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج «ادعم فيلم اشتباك» الذي لقي رواجًا واسعًا.
The post كيف غير البوعزيزي اتجاهات السينما العربية؟ appeared first on البديل.