البديل
«ستوديو مصر».. بوابة صناعة السينما في الشرق الأوسط

فى السابع من مارس عام 1935، افتتح الاستديو الأول في الشرق "ستوديو مصر" أو شركة مصر للتمثيل والسينما، إحدى المؤسسات التي أنشأها طلعت حرب، ومثّل نقلة نوعية فى تاريخ السينما المصرية، وكان محور الحركة السينمائية، وساهم في دعم وتقدم السينما بمصر حتى الحرب العالمية الثانية.
وأسس برأس مال مصري داخل محافظة الجيزة بشارع الهرم، ولم يكن الغرض من إنشائه ماديا، بل إيمانا من طلعت حرب بدور الصناعة في القرن العشرين، وقال وقتها إن تجديد الاقتصاد لن يتم إلا من خلال ازدهار الثقافة التى ترتقي بالعقول، وكان يريد نشر الثقافة والفنون، لذا أسس هذه الشركة التي أنتجت أفلام للعديد من الفنانين مثل: أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.
وبني وفقاً لأحدث الأستوديوهات في هوليوود آنذاك، وتم تحديثه بالمعدات والآلات اللازمة، وكان يضم بلاتوها للتصوير وورشا للديكور وغرفا للممثلين ومخازن للملابس ومعدات التصوير السينمائي، كما يضم أشهر ديكورات الحارة المصرية.
وتوالى بعد ذلك بناء العديد من الأستديوهات في نطاق شارع الهرم، وعين الفنان أحمد سالم مديرا لأستوديو مصر، وكان طلعت حرب يؤكد ويحث دائما على أهمية السينما وخطورة دورها، قائلا: "إننا نعمل بقوة اعتقادية وهي أن السينما صرح عصري للتعليم لاغنى لمصر عن استخدامه في إرشاد سواد الناس".
وأخذت صناعة السينما تزدهر، وكانت مصدرا لجذب المنتجين في ذلك الوقت، وتم تأسيس العديد من الشركات التي تنتج أفلاما لحسابها الخاص، لكن لم تستمر طويلا بسبب رداءة المحتوى المقدم، وأخذت تغلق أبوابها بعدما كانت تنافس ستوديو مصر الذي لم ينجرف إلى هذا الطيار الذي أنتج الأفلام الرخيصة أثناء الحرب العالمية.
وفى الوقت الذي انشغل أغلب الأستديوهات بإنتاج الأفلام الرديئة، أرسل ستوديو مصر البعثات الفنية من المصريين إلى أوروبا؛ لتعلم فنون التصوير والإخراج والديكور والمكياج، حيث سافر "أحمد بدرخان، والمخرج موريس كساب، وحسن مراد، ومحمد عبد العظيم، فى فن التصوير، ومصطفى والي في فن الصوت، وولي الدين سامح في الديكور، ونيازي مصطفي في فن المونتاج".
كان أول ما أنتجه ستوديو مصر، فيلما قصيرا لا يتعدى مدة العشر دقائق وكان يعلن عن منتجات مصرية، بالإضافة إلى (نشرة أخبار أسبوعية) عن الأحداث الجارية في مصر، كان يتم بثها في دور العرض قبل بداية أي فيلم، ثم إنتاج أول فيلم طويل "وداد" لكوكب الشرق أم كلثوم، عام 1935، هو أول فيلم لها، وأخرجه الألماني فريتز كرامب.
وتدو قصة الفيلم في عصر المماليك، حيث تترعرع علاقة حب بين الشاب التاجر "باهر" وجاريته "وداد" التي تتمتع بصوت ملائكي، وبينما يتناجى الحبيبان، يسطو قطاع الطريق على قافلة باهر التجارية ويستولون على بضاعته التي تمثل رأس ماله جميعًا، ينتكب باهر ويشكو سوء الدهر وتبدأ مطالبته بالديون ومن هنا تبدأ الأحداث.
ومنذ افتتاح هذا الصرح السينمائي الكبير وحتى اليوم شهد تطورا كبيرا في جميع المجالات سواء الفنية والتكنولوجية في مجالات الديكور والتصوير والمونتاج، وكذلك البلاتوهات المخصصة للتصوير، وكان لاستديو مصر دور إيجابي في تاريخ الإنتاج السينمائي وساهم في دعم موقع مصر الريادي في المجال الفني لتكون عاصمة الفن بالشرق الأوسط.
وظل ستوديو مصر ينافس الأستديوهات العالمية؛ فكان يضم أحدث الآلات والمعدات من أمريكا وإنجلترا، فكان يوجد به آلات التحميض التي تسعى إلى تحميض 70 مترا من الفيلم في الساعة، وكانت تعمل داخل حجرة مظلمة، وكان تكلفة هذا المعمل وقتها تتعدى أربعين ألف جنيه، ليصبح حلم أنتاج الأفلام الملونة حقيقة.
The post «ستوديو مصر».. بوابة صناعة السينما في الشرق الأوسط appeared first on البديل.