Quantcast
Channel: ثقافات –البديل
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

اقرأ|«حديث الأربعاء» لطه حسين (3)

$
0
0

البديل
اقرأ| «حديث الأربعاء» لطه حسين (3)

اقرأ| «حديث الأربعاء» لطه حسين (3)

ساعة مع طرفة بن العبد..

بدأ طه حسين ساعته مع طرفة بن العبد بقول صاحبه: أما اليوم يا سيدي فلن يكون أمرك يسيرا ولا ممهدا، فقد اخترت طرفة موضوعا لحديثنا هذا اليوم، وأنا أظن أن كل الشعراء الجاهليين ليسوا لبيدا، وفي الحقيقة أنا لا أعلم من شعر طرفة شيئا سوى معلقته التي كلما أردت أن أنظر فيها لم أتجاوز وصف ناقته حتى أضيق بها وأتركها.

فأخبره طه حسين بأنه يعشق طرفة وشعره وأن هناك أجزاء في القصيدة يفضلها على قصيدة لبيد، وهنا فطن صاحبه إلى أمر مهم، كيف يمكننا أن نستغني عن جزء من قصيدة فضلا عن معلقة، أليس هذا مدخلا مناسبا للضرب في عدم تماسك القصيدة وعدم وحدتها؟ فرد عليه طه حسين وفي رده إثارة لقضيته القديمة، قضية الأدب الجاهلي، فقال لصاحبه بعد أن نصحه بقراءة القصيدة: ألم تر أن طرفة وصف وبالغ في وصفه لناقته وهو الذي تحدث كثيرا في شعره عن الناقة فلم يسترسل هذا الاسترسال، وألم تر أيضا أنك بعد أن انتهيت من وصف الناقة التي تضجرك فتحت عليك أبواب من الجمال الشعري الذي يأثر، فقال صاحبه، بلى رأيت، فأخبره طه حسين بالعلة قائلا إن أناسا ممن يأكلون برواية الشعر زادوا علي قصيدته في وصف الناقة كما رأيت، فكادوا أن يحيلوا بينك وبين جمال ما أبدع طرفة، لكن من أضاف هذه الأبيات كان بارعا في صناعة الشعر، وربما كان يود أن يحفظ الشباب بعض صفات الناقة فوصفها في معلقة طرفة وصفا دقيقا، ثم تجاوز طه حسين الحديث قائلا: الغريب، أننا نستطيع أن نأخذ في القسم الذي نريد من القصيدة دون أن نشعر بأننا فقدنا شيئا، ودون أن نشعر بأي نقص، وانظر معي في أبياته التي يصف فيها نفسه قائلا:

إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنّني

عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ

ولستُ بحلاّل التلاع مخافةً

ولكن متى يسترفِد القومُ أرفد

فإن تبغني في حلقة القوم تلقَني

وإن تلتمِسْني في الحوانيت تصطد

متى تأتني أصبحتَ كأساً رويةً

وإنْ كنتَ عنها ذا غِنًى فاغنَ وازْدَد

وانْ يلتقِ الحيُّ الجميع تلاقيني

إلى ذِروةِ البَيتِ الرّفيع المُصَمَّدِ

هذه براعة طرفة في شعره، وليونته في حركاته الشعريه، فها هو يأخذك من حرب لسلم الخمر وأنت تذهب معه وتحارب وتسكر دون شعور بالضجر مثل الذي أصابك في وصف ناقته، فيقول في فخره بنفسه في البيت الأول إذا أصاب قومي شيئا وأرادوا شابا يخلصهم منه وقالوا من يستطيع أن يفعل كذا وكذا، أعلم أنهم يعنونني فلم أكن كسولا في نصرتهم ولا متبلد، أما عن وجودي في الحي فليس مخافة الذهب إلى الأماكن الموحشة، لكن حتى إذا استعان بي قومي وجدوني معينا لهم لأني من يحدث الفارق دائما، ثم يخبرك بأماكن وجوده ويخبرك أيضا أنه ليس رجلا فظ المعاشرة وليس شخصا تافه، فإن تذهب في أشراف قومه عندما يتشاورون في أمر عظيم تجده معهم، ولو تذهب إلى الحوانيت أماكن شرب الخمر تجده أيضا، ثم يميل إلى إظهار كرمك فيخبرك أنه سيرويك خمرا إن أردت الشراب، ثم يخبرك أيضا أنه من نسل عريق ونسب رفيع، فهو من ذروة قومه.

ولك أن تنظر عندما يصور لك حياته كاملة، وما آلت له أموره في بيتين رشيقين لا مثيل لهما، عندما قال:

وما زال تشرابي الخمور ولذَّتي

وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدي

إلى أن تَحامَتني العَشيرة كلُّها

وأُفرِدتُ إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ

يخبرك بكرمه ولهوه وإنفاقه لأمواله لا فرق عنده بين مال حديث ومال قديم، فكانت النتيجة أن اجتنبني قومي وأصبحت كبعير طلي بالقطران لا يقربه بعير.

ثم انظر لنظرة طرفة الثاقبة ومنطقه الصحيح عندما يتحدث عن الموت قائلا:

لعمرُكَ إنَّ الموتَ ما أخطأ الفتى

لَكالطِّوَلِ المُرخى وثِنياهُ باليَدِ

مَتَى مَا يَشَأ يَومًا يَقُدْهُ لِحَتْفِهِ

وَمَنْ يَكُ في حَبْلِ المَنِيَّةِ يَنْقَدِ

عندما سمع صاحب طه حسين هذه الأبيات انتفض قائلا: أما أنا فمفتون بهذين البيتين إلى غير حد، فهذا التشبيه لا يشق عليك باليأس المظلم، وإنما هو مؤنس في شيء من الدعة والحلاوة والإذعان المطمئن المحبب إلى النفس.

The post اقرأ| «حديث الأربعاء» لطه حسين (3) appeared first on البديل.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

Trending Articles