البديل
صندوق العجائب.. حين غابت السيرة الهلالية وقصص ألف ليلة

«تعالـوا قربوا واتمتعـوا برؤية العـجائب والغـرائب.. تعـالوا انظـروا إلى عجائب الدنـيا القـديمة»، هكذا وصفت أجاثا كريستي «صندوق العجائب» عام 1951، في روايتها موعد فى بغداد «They Came To Baghdad».
«صندوق العجائب» خشبي يبلغ طوله مترين بعمق لا يتجاوز 60 سم، مزين برسومات مختلفة وألون مبهجة وبه عدد من الفتحات لا يتجاوز قطرها 15سم، مغطاة بزجاج مكبر حتى يستطيع الناظر أن يرى ما بداخل الصندوق، وكان يوجد داخل الصندوق بكرة مثبت على طرفها لفة ورق مثل الفيلم الذي يوضع في الكاميرا، ويلف صاحب الصندوق البكرة، وتبدأ الصور في التحرك واحدة تلو الأخرى أمام الناظرين.

لا يتجاوز عمر جمهور صندوق العجائب 12 عامًا، وكان يدفع كل طفل بدفع «5 تعريفة» لصاحب الصندوق حتى يسمح له بالجلوس على المنضدة التي كانت تلتصق بصندوق العجائب، والنظر إلى الصور داخل الصندوق، ولا تقتصر مهمة صاحب الصندوق على لف البكرة وتحريك الصور فقط، لكنه يقوم بدور «الحكواتي» فيسرد القصة التي ترتبط بكل صورة، وكان يجوب صاحب الصندوق منذ الصباح الباكر وحتى العصر، بجميع المناطق الشعبية، وفي المساء يعمل بمسرح خيال الظل بالمقهى، ويتقاضى مقابل هذا رغيف خبز أو خمسة قروش أو قبضة من الزبيب.

وظهر هذا الفن في نهاية القرن السابع عشر، وكان يتنافس مع مسرح خيال الظل وأبطاله كركوز وعيوظ، الذي كان يستهدف الشريحة الناضجة في المجتمع، بينما كان جمهور صندوق العجايب قاصرًا فقط على الأطفال دون الكبار، ويعتبر المتحف «الأثنوجرافي» الملحق بالجمعية الجغرافية بالقاهرة، هو المكان الوحيد الذى يجود به نموذج اصلى لصندوق الدنيا، والذي يعد من التراث القديم.

وكنا نعلم بوصول صاحب الصندوق عندما يصيح بـ«قرب قـــرب قرب.. قرب وشوف واتفرج قرب.. وصل صندوق العحب.. مع الحكواتي أبو رجب.. معانا أبو زيد الهلالي.. اللي سيفه بيلالي.. معانا عنتر العبسي.. عدوه يصبح مايمسي..» وبمجرد أن يسمع الأطفال نداءه يهرعون إليه ويتركون اللعب، ويمسكون في ثياب صاحب الصندوق إلى أن يضع صندوقه على الأرض ويتدافعون الأطفال حتى يره ما بداخله من قصص العجب.
يعد صاحب الصندوق «الحكواتي» ذا موهبة متعددة؛ فهو يقوم بكل شيء من تأليف وإخراج وإنتاج؛ حيث كان يجمع الصور من الجرائد والمجلات والكتب التي يضعها داخل الصندوق ويقوم بعمل توليفه مختلفة حتى، يخرج لنا قصص العجب من تلك النافذة الصغيرة التي كنا ننظر إليها.

وكان يتغنى صاحب الصندوق بتلك الكلمات: «شوف اتفرج آه يا سلام.. شــوف أحوالك بالتمام.. شــوف قدامك عجايب.. شـوف قدامك غرايب.. شوف الأميرة بنت السلطان.. ليتهـا عيونها ما تبلى.. وشفافها رق الفنجان».
ومن بين القصص التي يقوم بسردها، قصص أبو زيد الهلالي وعنتر بن شداد وألف ليلة وليلة وقصص الأبطال ومصباح السحري وقصص الحب التراثية وحكايات الفرسان وغيرها من الحكايات، وكانت نبرة صوته بمثابة الموسيقى التصويرية في الدراما التي توحى بالفرح أو الحزن أو الغصب، ومن خلال تلك الروايات التي كان يقصها صاحب الصندوق كان يوصل رسائل إلى الأطفال، وهو الدور ذاته الذي يلعبه الفن الآن.

وقد اندثر هذا الفن من بداية الستينيات من القرن الماضي مع ظهور سينما الأبيض والأسود، التي سحبت الجمهور من صاحب صندوق العجائب إليها، وكان سيبقى صندوق الدنيا يتمتع بجاذبية، خاصة أنه يعد أول فيلم متحرك تم عرضه للأطفال سابقًا أفلام الكرتون بعصور طويلة.
في عام 2014 حاولت مبادرة «محطات للفن المعاصر» إعادة إحياء هذا الفن من خلال مشروع «صندوق العجب» الذي يشبه صندوق العجائب، لكن بشكل معاصر ومطور، وطافوا بهذا الصندوق بشوارع القاهرة والجيزة، لعرض القصص والحواديت كما كان يفعل «صاحب الصندوق» فى الماضي، لكن بقصص من حياتنا اليومية تم تجميعها من سائقي التكاتك والتاكسي ودمجها من خلال الخدع البصرية والمؤثرات الصوتيه داخل الصندوق، الذي كان يتوقفون به فى الشوارع ويسمحون للمارة من الأطفال والكبار بمشاهدة العجب داخل الصندوق.
يقوم على الفكرة تسعة من الفنانين من مجالات فنية مختلفة، لتصميم وإعادة تصنيع صندوق الدنيا، وانضم لفريق العمل «حكاءان، وفنانان بصريان، وثلاثة معماريين، وموسيقيان»؛ بهدف إحياء روح صندوق الدنيا الذي كان جزءًا مهمًّا من حياة المصريين قديمًا.
The post صندوق العجائب.. حين غابت السيرة الهلالية وقصص ألف ليلة appeared first on البديل.