Quantcast
Channel: ثقافات –البديل
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

نفيسة بنت الحسن نبتة من آل البيت

$
0
0

البديل
نفيسة بنت الحسن نبتة من آل البيت

نفيسة بنت الحسن نبتة من آل البيت

لا شك أن الأرض تحب مثلما نحب، وتكره مثلما نكره، فمن أحبته تمسكت به، ومن كرهته لفظته خارجها، وهذا ما حدث مع السيدة نفيسة، التي أحبت مصر قبل أن تزورها، فعندما جاءت إليها، أحبها الشعب والأرض، فمكثت في مصر حتى ماتت، ثم دفنت فيها.

نفيسة العلم وكريمة الدارين

هي نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ سيدة من سيدات أهل البيت، اشتهرت بالعبادة والفطانة والزهد، كرمها المصريون إلى حد أن لها مسجدًا وحيًّا يسمى باسمها. ولدت في أرض الحجاز بمكة عام 145 هـ، ثم انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وكانت في سن الخامسة؛ فبدأت تذهب إلى المسجد النبوي، وتستمع إلى شيوخه، وتنهل الحديث والفقه من علمائه، فبدا عليها النبوغ والعلم، وأطلق عليها الناس لقب "نفيسة العلم".

كان لنفيسة بنت الحسن نصيب من نسبها، فزهدت وورعت وحسنت عبادتها، ورووا أن أكثر وقتها كان تعبدًا في المسجد النبوي، وهذا ما قالته زينب بنت أخيها، التي تفرغت لخدمتها "خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟". وأضافت "كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي".. ويقال أيضًا إنها حفرت قبرها بيدها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا. ويذكر أيضًا أنها حجّت أكثر من ثلاثين مرة أكثرها ماشية، كانت فيها تتعلق بأستار الكعبة و تقول "إلهي وسيدي ومولاي، متعني وفرحني برضاك عني، ولا تسبب لي سببًا يحجبك عني".

السيدة في مصر وأحمد بن طولون

أحب المصريون أهل البيت، فكانوا يشتاقون لأي شخص منهم. وفي عهد السيدة نفيسة كان المصريون يلقونها بمكة في أشهر الحج، فيطلبون منها زيارة مصر، فتقول لهم "سأزور بلادكم إن شاء الله، فإن الله قد أثنى على مصر، وذكرها في كتابه الكريم، وقد أوصى جدي بأهلها خيرًا، فقال: "إن فتحتم مصرًا فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لكم فيها صهرًا ونسبًا".

ولعل وقت هذه الزيارة قد آن عندما تدهورت أحوال آل البيت، ولا سيما بعد عزل والدها االحسن الأنور عن ولاية المدينة، من ثم كانت مصر هي بابهم الأول؛ لأنه سبق إليها العديد من آل البيت، وأُنزلوا مكانتهم التي يستحقونها، منهم السيدة زينب بنت الإمام علي، شقيقة الحسن والحسين، وبنت فاطمة الزهراء عليها السلام، وحفيدة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.

وصلت إلى القاهرة السيدة نفيسة وزوجها إسحاق، وابناها القاسم وأم كلثوم، وغيرهم من أبناء آل البيت، فاستُقبِلوا بحفاوة كبيرة من المصريين، الذين تسابقوا لإكرامهم. ومنذ البداية بدأ الود بينهم، وذابت السيدة نفيسة في المصريين، وذاب المصريون فيها.

لم تكن السيدة نفيسة بمعزل عن العامة عندما أقامت بمصر، بل كانت قريبة جدًّا منهم، تهتم بأمورهم. ولا أدل على ذلك من موقفها عندما استعان بها العامة حتى تقف أمام جور وظلم السلطان أحمد بن طولون، فما كان منها إلا أن وقفت موقفًا يدل على معدن نفيس لا يخشى في الله لومة لائم. ويذكر لنا ذلك المؤرخ أحمد بن يوسف القرماني أنها كتبت رسالة للسلطان، وانتظرت موكبه، ثم سلمتها له، وكان نصها "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم. اعملوا ما شئتم، فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون".. فلم يكن من السلطان إلا أن انتبه لأفعاله، وعدل عنها.

الشعب المصري والتبرك بأهل البيت

ومذ جاءت السيدة نفيسة إلى مصر، وبدا زهدها وورعها، والشعب المصري بدأ يتبرك بها، وينسب لها الكرامات، منها أن امرأة ذمّية أُسر ابنها، فأتت إلى نفيسة، وسألتها الدعاء ليردّ الله ابنها، فلما كان الليل إلا ورجع ابنها، فسألته عن خبره، فقال‏:‏ "يا أمّاه لم أشعر إلاّ ويد قد وقعت على القيد الذي كان في رجليَّ، وقائل يقول‏:‏ أطلقوه قد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن‏، فوالذي يُحلَفُ به يا أمّاه لقد كُسر قيدي وما شعرت بنفسي إلاّ وأنا واقف بباب هذه الدار‏".. وكانت النتيجة أن أسلمت المرأة وابنها.

هذا غير المرأة اليهودية التي تركت ابنتها المصابة بالشلل عندما أرادت الذهاب إلى الحمام، فتوضأت السيدة نفيسة، وسال ماء وضوئها إلى البنت، فمسحت به على قدمها، فشفيت من الشلل، فأسلمت هي وجيرانها، وكذلك عندما قل منسوب النيل أعطتهم قناعها، وقالت لهم: ألقوه فيه. ففاض النيل.

ولشدة كراماتها غالى بعض المصريين، وهو ما وصفه شمس الدين الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء بقوله "ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العبيدية".

ظلت السيدة نفيسة في مصر ما شاء الله لها أن تظل، حتى أصيبت بمرض شديد عام 208هـ، فرحلت في هذا العام في رمضان، فبكاها من بكى، وحزن لفرقها من حزن، ودفنت بمصر في مسجدها وحيها، وما زالت قلوب المصريين تتعلق بها مهما مر من زمان.

The post نفيسة بنت الحسن نبتة من آل البيت appeared first on البديل.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

Trending Articles