Quantcast
Channel: ثقافات –البديل
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

اقرأ|حديث الأربعاء.. لطه حسين (2)

$
0
0

البديل
اقرأ| حديث الأربعاء.. لطه حسين (2)

اقرأ| حديث الأربعاء.. لطه حسين (2)

ساعة مع لبيد..

كتب طه حسين حديث الأربعاء منذ خمس وسبعين سنة، فكانت هناك عقول غير العقول، وصبر على الفهم غير الصبر. لا أذم في هذا الجيل قدر ما أظهر حقيقته، فجيل اليوم من غير المتخصصين لا يستطيع أن يصبر على فهم بيت من أبيات الجاهليين، فمن الوهلة الأولى التي يقع نظره فيها على بيت قوي الألفاظ جزلها، يهجره هجرة من لا عودة له.

من ثم لما كان عقل طه حسين أكبر من عقلي، وعقول جيله أكثر جلدًا من عقول جيلنا، وعهدنا باللغة العربية أصبح أبعد من عهدهم بها، إذًا سنبعد قليلًا عن طريقة عرض طه حسين، وإن بقينا في دائرته، حيث إننا نورد أبياتًا غير التي أوردها، ونبسط ـ إن استطعنا ـ الشرح الذي شرحه، حتى يتواءم مع جيلنا الحالي، وحتى نصل إلى ما نرنو إليه، وهو جذب الناس للشعر قديمه وجديده.

بدأ طه حسين أولى ساعاته مع شاعر جاهلي عظيم، وهو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.. ينتهي نسبه عند مضر، صاحب معلقة "عفت الديار محلها فمقامها". في الساعة الأولى لم يذكر طه حسين بيتًا واحدًا من شعر لبيد، بل شرع في تعريف لبيد لصاحبه قائلًا: "كان القدماء يعجبون به إلى غير حد، ويكبرون شعره في غير تحفظ، ويجتمعون إليه؛ ليستمعوا له، ويسعون إليه ليسألوه، ويتناقلون شعره معجبين برصانة لفظة، ومتانة أسلوبه، واعتدال وزنه، واستقامة قوافيه، وروعة معانيه؛ في دقة لا تشبهها دقة، ووضوح مع ذلك لا يشبه وضوح...".

فقال صاحبه إن تركه للشعر القديم عامة ليس بغضًا ولا قلى؛ بل عجزًا ويأسًا، فلم يبلغ العشرة أبيات الأولى من معلقة لبيد إلا ضاق وانصرف عنها. من هنا أخبره طه حسين أنه سيكون ترجمانًا بينه وبين لبيد، وبدأ في شرح المعلقة لصاحبه.

في هذا الاسبوع كما أسلفنا لم يذكر طه حسين بيتًا واحدًا من شعر لبيد، واكتفى بشرح المعلقة فقط، فجاء صاحبه في الأسبوع الثاني، وأخبره أن المهتمين بالشعر والناقمين عليه لم يحمدوا حديثه الأسبوع الماضي، قائلين كيف يتحدث طويلًا عن الشعر بهذا الشكل المجمل دون أن يذكر منه البيت والبيتين في كل فقرة؛ حتى يدلل على صدق ما قال، فقال طه حسين إذًا إما أن تصبر على رواية الشعر، وإما أن توافقني في عدم نشر حديثنا معًا. فوافق الرجل على رواية الشعر.

وهنا في الأسبوع الثاني للبيد تناول طه حسين معلقته بالشرح والتبسيط؛ حتى تسهل على صاحبه وغيره ممن يبغضون ـ أو يعجزون ـ الشعر العربي القديم، وقبل أن يبدأ في شرحه سأله صاحبه في شيء من التهكم عن وحدة القصيدة القديمة، وما صنع الله بها، فأجابه قائلًا: "صنع الله بها خير ما يصنع بآثاره، فأوجدها وأتقنها، وأتمها إتمامًا لا شك فيه.." ثم ذكر له سببين لإنكار المنكرين لوحدة القصيدة العربي، الأول أنهم لا يدرسون الشعر القديم كما ينبغي، ولا يتعمقون بأسراره ومعانيه، في حين أن بعضهم قل أن يحفظ قصيدة كاملة، والثاني قبول ما تقوله الرواة في غير تحفظ ولا احتياط ولا تحقيق.

شرع طه حسين في شرح المعلقة التي بدأها لبيد بالغزل والنسيب من حيث وصف الطلل، والشوق لمن أحب، وتصوير الرحيل، والحديث عن حبيبته "نَوار"، ثم وصف الناقة، ويليها الافتخار، وهو نوعان: فخر بنفسه وفخر بقومه.

عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا

بمنًى تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا

فمدافعُ الرَّيَّانِ عرِّى رسْمُها

خلقًا كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

دمِنٌ تَجَرَّمَ بعدَ عَهْدِ أنِيسِهَا

حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وحَرَامُهَا

.....

فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ

بالجلهتين ظباؤهَا ونعامُها

ورغم رصانةهذه الألفاظ، إلا أن بها الكثير من الدرر التي تستحق أن نجهد أنفسنا للحصول عليها، فمنى مكان وهو غير منى الحرم، وغول ورجام جبلان، وما يود أن يقوله لبيد أنه لم يبقَ له سوى الأثر والطلل ممن أحب، فانمحت آثار كل شيء هناك من أشخاص وغيرهم، سواء كان الأشخاص ممن يقيمون أو ممن يحلون ضيوفًا. والأجمل من ذلك قوله "تأبد غولها فرجامها" أي توحشت الديار وتوحشت الجبال، إذًا فلبيد كان يأنس بالجبال إذا كانت بجوار من يحب.

البيت الثاني يقول مدافع جبل الريان التي تدفع الماء جعلت هذه الديار بالية؛ لغياب أهلها عنها، لكنها لا تستطيع أن تمحو الطلل. والطلل هنا يقوم مقام حب لبيد لحبيبته، فطول الهجر لم ينسه من أحب، ثم يؤبد حفظ آثار طلله وحبه بأن جعل هذا الطلل كما لو كان وحيًاوالله حافظه.

ثم في البيت الثالث يوضح طول الهجر من خلال أنه مر الكثير من السنين وهي الحجج، وهذه الديار خالية من أهلها في أشهرها الحرم وغير الحرم.

يظل لبيد مسترسلًا، حتى يصل إلى بيته السادس راسمًا لوحة فنية ترى فيها الطلل بعينيك، فيقول مر الكثير من الزمان حتى إن الأيهقان وهو نبات بري اكتمل نموه، جذب حوله الحيوانات، فأصبح المكان مرتعًا للوحش، فقد أطفلت الظباء، أي صار عندها صغار، والنعام أيضًا، غير أن النعام يبيض، فيود أن يقول ولد الظباء وباض النعام؛ مما يدل على أن المكان طال أمد هجره.

استمر طه حسين في أسبوعه الثاني مع لبيد، فشرح فيه معلقته، ولم يتعرض لأبيات أخرى للبيد، غير أنه أعطاه ساعة أخرى في أسبوع ثالث مع لبيد، استشهد فيه بأبيات غير المعلقة؛ حتى يكمل وجبة صاحبه التي أصبحت وجبة طيبة لكلمن يقرأ.

The post اقرأ| حديث الأربعاء.. لطه حسين (2) appeared first on البديل.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1591

Trending Articles