البديل
الفخار.. شاهد على أصالة التراث الفلسطيني

للفلسطينين صناعاتهم اليدوية التي عُرفوا بها على مدار سنوات طويلة، كانت بمثابة مراكز للإنتاج الجمالي وإبراز الهوية الفلسطينية بشكلها الإبداعي، لا سيما وأن صناعة الفخار والخزف واحدة من الصناعات التي ترتبط بوجود وتاريخ هذا الشعب منذ بدايات القرن السادس عشر، فقد ظهرت هذه الصناعة كنتيجة للحكمة القائلة بأن "الحاجة أم الاختراع"، فحاجة النساء الفلسطينيات قديمًا للأواني التي تُستخدَم للمأكل والمشرب دفعت رجالهم لصناعة الأدوات التي تناسب الاستخدام المنزلي، ونتيجة لجودة وفنية الصناعة، تفرع منها عدد من الأشكال التي صارت تستخدم للزينة.
ويتم استخدام الصلصال أو الطين الذي يُستخرَج من الأرض على أيدي أشخاص متخصصين في هذا العمل، يبيعونه لأصحاب المعامل الخاصة، التي تقوم بعملية كاملة لتحويل الطين إلى أوانٍ فخارية وطرحها للمستهلك لاستخداماته المتعددة. وتشتهر في قطاع غزة مناطق كاملة باحتراف هذه الصناعة.؛ ونتيجة لذلك أُطلق على هذه المناطق أسماء متصلة بالحرفة، كحارة الفاخورة شرق مدينة غزة، والتي كانت قديمًا تحتوي على أكثر من 50 معملًا لصناعة الأواني الفخارة، والتي تتوارى مع تقدم الحياة لأسباب عديدة، يُعزى أهمها للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة؛ نتيجة الاحتلال والحصار اللذين يطولان كل شيء، وكذلك الاكتظاظ السكاني الملحوظ، الذي اضطر الكثير من أصحاب المعامل التي تحتاج لمساحات كبيرة إلى تحويل المعامل لمبانٍ سكنية.
وتستخدم الأواني الفخارية في قطاع غزة للأطعمة، وأيضًا لحفظ الماء باردًا؛ حيث إن طبيعة الصلصال تحتفظ ببرودته، ويتم تصدير كميات كبيرة من الأواني الفخارية للأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تُستخدَم لزرع الورود والأشكال الجمالية.
وقال أبو صلاح عطا الله، أحد صانعي الفخار في منطقة الفاخورة لـ "البديل"، إن الناس عزفت عن استخدام الأواني الفخارية؛ نتيجة للتطور الذي جلب العديد من البدائل الأيسر في الاستخدام، رغم ما تتمتع به الأواني الفخارية من جودة وصلة بالتاريخ الفلسطيني. إلا أنه ما زال هناك عدد من الناس يؤمن بالقيمة التراثية لهذه الأواني، ويقبل على استخدامها.
وأشار عطا الله إلى أن الصلصال المستخدم في صناعة الأواني الفخارية ينقسم لنوعين: الصلصال المستورد من مدينة الخليل إلى قطاع غزة، والذي يتميز بجودته الجبلية وصلابته وقوته، والصلصال الغزي الذي يتميز بلونه الفاتح وملمسه الناعم، ويُستخدَم مزيج من النوعين معًا للخروج بمنتج يجمع كل المواصفات المطلوبة والمعايير، التي ترضي المستهلك، وتُبقي على أصالة هذه الصناعة.
وفيما يخص عزوف الناس عن هذه الصناعات، يوضح عطا الله أنه يتمسك بالصناعة لأصالتها، موضحًا أن العائد المادي منها لا يعتبر مغريًا، وأن تسويق المنتجات للضفة الغربية المحتلة وأراضي 48 يعتبر أمرًا شبه مستحيل؛ نتيجة للقيود التي يفرضها الاحتلال على حركة البضائع من وإلى القطاع.
وتابع أن هذه الحرفة متوارثة، فأغلب الصانعين المستمرين في صناعة الحرفة حتى اليوم ورثوها عن آبائهم، واستمروا بها كجزء من تاريخ العائلة المتميز بصناعة الفخار.
وبحسب عطا الله، فإن الصناعات تختلف باختلاف استخدامها، فهناك "صحن العجين" الذي يُستخدَم لعجن الدقيق، ويكون حجمه كبيرًا نسبيًّا، "وصحن الطبيخ" الذي يُستخدَم لتناول الطعام فيه، ويكون صغيرًا. كذلك يتم صناعة "المصل"، وهو قطعة فخارية توضع عليها مؤخرة القدم أثناء الوضوء، و"السفل" الذي يُستخدَم لتخمير بعض الأطعمة، مثل البرتقال والعنب والتين لتجفيفها. أما "القعقور" فهو إناء يُستخدَم لحفظ الزبد والسمن والألبان والعسل وما إلى ذلك من الأطعمة. وتُستخدَم "العسلية" لنقل الماء، وهي إناء اعتادت النساء أن تنقل فيه الماء من البئر. وهناك "الإبريق" الذي يُستخدَم للشرب وحفظ برودة الماء.
كما يتم استخدام الأدوات الفخارية في استعمالات أخرى غير الأطعمة. فـ "السراج" الذي يبلغ حجمه راحة اليد يُستخدَم للإضاءة، و"الكأس" الذي يُستخدَم لشرب الشاي، ومن مميزاته أنه يعمل على تبريد الشاي بسرعة كبيرة؛ نتيجة لصناعته بشكل يعمل على ذلك. أما "القور" فهو يُستخدَم لعمل الأكلات الفلسطينية كالمفتول، وحجمه كبير بشكل بسيط ومثقوب من أسفله. وأيضًا يتم صناعة "إبريق العرايس" الذي يحتوي على 10 فتحات مخصصة لخروج الماء من الإبريق، وكذلك "قحف الطابون" الذي يستخدم لصناعة الخبز البلدي بعد تسخينه بالنار.
The post الفخار.. شاهد على أصالة التراث الفلسطيني appeared first on البديل.