البديل
الثوب الفلسطيني.. لوحة فنية تعكس أصالة التاريخ

تمتاز الشعوب عامةً بتراثٍ خاص بها لا يتبدل بتغيرات التاريخ، بل يبقى الثابت الذي يميز شعبا عن آخر على هذه الأرض، وعلامةً تعطيه أصالته لتبقى إرثا للأجيال المتتابعة تتمثل هويتهم به، وللفلسطينيين علامتهم التي تميزوا بها بين شعوب المنطقة، خاصة في ثوبهم الذي مازال يحتفظ بقيمته التاريخية، لا سيما في الأرياف الفلسطينية، حيث تحيكه النساء بأيديهن، ويقمن بتطريزه ووضع النقوش التي تتمثل برسم الطيور وأغصان الزيتون في رحابه.
وللثوب الفلسطيني ما يميزه ويُعرِّف عن مكان المرأة التي تلبسه، إذ أن نساء شمال فلسطين على سبيل المثال يختلفن بزيهن عن نساء الجنوب، فكل منطقة جغرافية تحيك فيها النساء أثوابهن الخاصة بطريقة تجعله يعبر عن أصل المرأة التي ترتديه، غير أن ثوب الفتاة الشابة يختلف عن المرأة الكبيرة والمسنة في أن الأولى يتسم ثوبها بكثرة الزخارف التي ترسمها النساء بأيديهن على الثوب من شجر وأقمار ونجوم وأشكال هندسية مختلفة، أما المسنات فيتسم ثوبهن بالوقار والرزانة وقلة الأشكال المطرزة عليه.
وكانت النساء قديماً يجتمعن ليساعدن بعضهن البعض في عملية التطريز للثوب الفلسطيني؛ خاصة أنه يحتاج وقتا وجهدا كبيرا لصناعته، ونتيجة لتطور الظروف الحياتية وصعوبتها للفلسطينين، فإن عددا كبيرا من النساء انصرفن عن هذه المهنة، إلا أن بعض النساء تمسكن بها، وواكبن صناعتها، بل وسخرن أعمارهن لصناعة الثوب الفلسطيني العريق.
أم سليمان، سيدة سبعينية من حي الشجاعية شرق قطاع غزة، أمضت عمرها في حياكة وتطريز الثوب الفلسطيني، لكنها مؤخرا أصبحت تستخدم ماكينة للخياطة بدلا من الاعتماد الكلي على اليد في صناعته، إذ أن ماكينة «الدرزة» التي تستخدمها، توفر عليها أكثر من 60 يوما من الجهد.
تقول أم سليمان لـ«البديل» إن الثوب الفلسطيني يستغرق ما يقارب 90-100 يوما من العمل اليدوي، ويختلف بحسب نوع الرسومات والأشكال المرسومة عليه، وباستخدامها للماكينة، مشيرةً إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الماكينة وحدها؛ نظرا لوجود بعض الأشكال التي لا يمكن للماكينة إنجازها، والتي تُطرز باليد على الثوب.
وتضيف السيدة السبعينية: «نساء القرية الواحدة قديما كن يجتمعن للعمل معا، وحياكة أكبر عدد من الأثواب في وقت قصير، أما بعد زيادة المسؤوليات في هذا العصر، فإن النساء انشغلن أكثر بعائلاتهن، إضافة إلى انتشار الأثواب الجاهزة التي توفر عليهن وقتا ومالا، لكنها لا تقارن على الإطلاق بجمال الثوب الفلسطيني».
وعن اختلافات الثوب الفلسطيني، توضح أم سليمان أن كل منطقة لها ما يميزها ويدل عليها بطبيعة الأشكال والتطاريز المستخدمة مع التشابه في الشكل العام للثوب، فمثلا تجد المناطق الشمالية تركز التطريز على المنطقة التي تغطي الأكتاف والرقبة، بينما يتم تطريز الثوب بشكل كامل في المناطق الوسطى، وتكثف التطريزات والرسومات بالمناطق الجنوبية، مضيفة: «يمتاز ثوب بئر السبع بلونه الأحمر الغامق الذي يعج بالتطاريز بألوانها الزاهية، فيما يتميز الثوب اليافاوي بكثرة التطاريز على اليدين مع استخدام اللون الأخضر والأحمر».
وتشير أم سليمان إلى أن استخدام الثوب الفلسطيني أصبح مقتصرا على بعض المناسبات الخاصة والأفراح، بعدما اتجهت الأجيال الجديدة للملابس المستوردة والتي تحمل في ثناياها حضارات أخرى، لكن مَن يعرفون قيمة الثوب الفلسطيني وما يحمله في طياته لا يستبدلونه بأثمن الملبوسات.
The post الثوب الفلسطيني.. لوحة فنية تعكس أصالة التاريخ appeared first on البديل.