البديل
حكاية أثر| “جامع عمرو”.. تاج المساجد
يمتلئ مسجد عمرو بن العاص في شهر رمضان بالمصلين، الذين أتوا من كل فج عميق لأداء صلاة التراويح، وكثيرون يفترشون الأماكن المحيط به على الرصيف والطرقات بعد امتلائه، في مشهد عظيم، ويزداد التوافد عليه في النصف الثاني من رمضان والليالي الفردية أملاً أن يدركوا ليلة القدر.
أجواء رمضانية خاصة ونفحات روحانية وسكينة وطمأنينة يشعر بها المصلي داخل مسجد عمرو بن العاص، ويحرص الكثيرون على أداء صلاة التراويح هناك والدعاء والتقرب إلى الله، حيث يصل عدد المصلين في ليلة 27 من رمضان إلى ما يقرب من نصف مليون.
رابع مسجد في الإسلام والأول إفريقيًا
يعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 21 هجرياً الموافق 642 ميلادياً، على يد عمرو بن العاص والمسلمين، ليكون أول مسجد تم بناؤه في مصر وإفريقيا، ورابع مسجد في الإسلام، كانت مساحة المسجد وقت إنشائه 50 ذراعًا في 30 ذراعًا وله ستة أبواب، وكان يطل على النيل، ويحيط به الحدائق من جميع الاتجاهات، ويتميز بالبساطة؛ حيث فرشت أرضه من الحصى ومبني من الطوب اللبن، وسقفه من جريد النخل وأعمدته من جذوع النخل، لم يكن به محراب ومنارة وفرش، وجدرانه بلا زخارف، كان يسمى أيضا بمسجد الفتح والمسجد العتيق وتاج الجوامع.
شارك أكثر من ثمانين صحابي من بينهم أبو ذر الغفاري في تحديد اتجاه القبلة، ورغم ذلك جاءت منحرفه بعض الشيء نحو الشرق، وكان الأمويون يولون المسجد اهتماماً كبيرًا حيث قام مسلمة بن مخلد الأنصاري، بتوسعته ورفع سقفه وتزويد أبوابه إلى 11 باب، وأضاف عليه معاوية بن أبي سفيان مئذنة.
توالت الإصلاحات بالمسجد على يد الخلفاء والأمراء والحكام إلى أن بلغت مساحته نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري، حيث ذكر ابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، أن “مسجد عمرو بن العاص مسجد عظيم بمدينة الفسطاط، بناه موضع فسطاطه وما جاوره، و موضع فسطاطه حيث المحراب والمنبر وهو مسجد فسيح الأرجاء، مفروش بالرخام الأبيض، وعمده كلها رخام، ووقف عليه ثمانون من الصحابة، وصلوا فيه، ولا يخلو من سكنى الصلحاء”.
هدم المسجد وإعادة بنائه
تعرض جامع عمرو بن العاص إلى الحرق وقت الحملة الصليبية على مسلمين عام 564 هـ، بعد خوف الوزير شاور من احتلال الصليبيين لمدينة الفسطاط، وقام بإشعال النيران فيها لتحترق الفسطاط وهدم الجامع، فأعيد بنائه والمحراب من جديد ودخلت عليه النقوش وكسى بالرخام.
وشهد المسجد العديد من عمليات الترميم والتجديد في العصر العثماني، فيما تعرض عام 1996م لانهيار 150 مترًا من سقف الجامع في الجزء الجنوبي الشرقي لرواق القبلة، وتم إعادة بناء القبة من جديد بتكلفة بلغت 15 مليون جنيه وتم الانتهاء من التجديدات عام 2002، ليزدهر المسجد ويصل إلى ذروة جماله حالياً، ويوجد داخله ركن يسمى بزاوية الإمام الشافعي هو المكان الذي كان يجلس به ويعطي دروس الفقه.
جامع عمرو بن العاص يعد الأثر الوحيد المتبقي من الفتح الإسلامي وكان منارة للعلم قبل الأزهر الشريف، فكان مقصد طلاب العلم لتلقي العلوم الدينية واللغة العربية، ومن أشهر تلاميذه الإمام الليث بن سعد والإمام الشافعي والسيدة نفيسة وابن حجر العسقلاني وسلطان العلماء العز بن عبد السلام.
خطباء تحت قبة عمرو بن العاص
داخل جدران مسجد عمرو بن العاص، درس عدد كبير من الشيوخ البارزين في الإسلام، وكان المصلون وطلاب العلم يذهبون إلى هناك خصيصاً لحضور الخطب والدروس والمواعظ، من بينهم: “الشافعي، الليث بن سعد، أبو طاهر السلفي، العز بن عبد السلام، ابن هشام صاحب السيرة، محمد الغزالي، عبد الصبور شاهين”.
The post حكاية أثر| “جامع عمرو”.. تاج المساجد appeared first on البديل.