البديل
توت عنخ آمون وكنوزه التي كشفت أسرار الحكم والعقيدة الدينية

«وجدت أشياء مذهلة».. كان هذا رده علي سؤال «هل وجدت شيئًا؟» الذي وجهه له اللورد «كارنارفون»، ذلك الرجل الأرستقراطي الإنجليزي الذي مول رحلات البحث وبعثات استكشاف مقبرة توت عنخ آمون، الملك المجهول في ذلك الوقت، لعالم الآثار الإنجليزي «هوارد كارتر»، الذي أكتشف آثارًا تعود للملكة حتشبسوت في مقبرة بالدير البحري في عام 1899، وعين في المجلس الأعلى المصري للآثار، ولكنه استقال منها؛ بسبب خلافات بين حراس موقع أثري مصري وبعض السائحين الفرنسيين.
لم يكن يتوقع «كارتر» ومعه مجموعة من العمال والأثريين عام 1922 حينما وقفوا أمام مقبرة توت عنخ آمون أن يجدوا أنفسهم أمام اكتشاف كبير؛ حيث إنه على غير المعتاد أن يتم اكتشاف مقبرة كاملة بـ «وادي الملوك» بالبر الغربي للأقصر، ومن هنا ظهرت شهرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، فربما اعتقدوا في بدء الأمر أنهم أمام ملك مثل باقي ملوك مصر الذين لم يحظوا بشهرة كافية.
هكذا كانت مقبرة الفرعون الصغير عندما دخلها الإنجليزي «كارتر»: بها كافة متعلقات الملك الشخصية، والتي من المعتاد أن تُدفَن معه، حتى التي كان يستعملها في حياة الطفولة من لعب الأطفال التي تتحرك أجزاؤها، مثل لعبه الضاما وعصى الصيد المقوسة، وأدوات الكتابة من أقلام وألواح وألوان، وهناك الملابس والإكسسوارات والحلي التي تُستعمَل في الحياة اليومية وفى رحلته للعالم الآخر.
ذُهل علماء الآثار من تلك الروائع الفنية والكنوز الأثرية التي ليس لها مثيل، والتي تدل على ما وصلت إليه الفنون المصرية من تقدم، حيث لم يكن العلماء يعرفون الكثير من العقائد الدينية والجنائزية الملكية في مصر القديمة؛ لعدم اكتشاف مقابر كاملة من قبل.
ولكي يتم إذهال العالم كله؛ عُرِضت محتويات المقبرة من كرسي العرش الوحيد الذي وصل لنا من حضارة المصريين القدماء والعجلات التي تجرها الخيول وأدوات القتال من سيوف وخناجر وأقواس وحراب، مع التابوت الذهبي للملك الذي يزن أكثر من 110 كيلو جرامات، والقناع الذهبي الذي كان يغطى وجه المومياء المرصع بالأحجار شبه الكريمة، ووزنه أحد عشر كيلو جرامًا في المتحف المصري بميدان التحرير.
لم تقتصرمقبرة حاكم البلاد الذي مات في حوالي عام 1250 قبل الميلاد على كل هذا، بل كان هناك 32 تمثالًا للملك وآلهة العالم الآخر من الخشب المذهب، مع 314 تمثالًا من التماثيل المسماة المجيبة، والتي كانت توضع في المقبرة؛ لكي تقوم بالعمل بدلًا من الملك في العالم الآخر.
وفي مدينة «طيبة» عاصمة حكم الملك توت، عُثِر أيضًا على كثير من الصناديق المزخرفة بالمناظر الحربية ومناظر الصيد والترفيه والمقاصير الكبيرة من الخشب المذهب المنقوش عليها مناظر من كتب العالم السفلى، تصور علاقة الملك مع الشمس والمعبودات المختلفة، ومجموعة من 143 قطعة من الحلي الذهبية المرصعة بأحجار شبه كريمة، أغلبها يمثل معبود الشمس بأشكاله المختلفة والقمر ودرع صُنِع للملك من الذهب ورُصِّع بالأحجار والزجاج الملون، وزُخرِف بأشكال المعبودات التي تحمى الملك وترعاه في حياته وبعد وفاته.
وسجل «كارتر» بكتالوج مكتشف المقبرة القلادة الصدرية المزخرفة والمصنوعة من الذهب والفضة وعددًا من الأحجار. وتعتبر هذه القطعة واحدة من أجمل المقتنيات، ارتفاعها 14,9 سم، وعرضها 14,5 سم، وارتداها توت عند تتويجه ملكًا جديدًا لحكم مصر؛ باعتباره ابن إله الشمس، ويتولى العرش في بداية سنة قمرية جديدة، وهو ما تشرحه القلادة؛ حيث يحمل الجعران فوق قدميه الأماميتين، بدلًا من قرص الشمس التقليدي، كرمز من الرموز الشهيرة لكل من الشمس والقمر، وتتكون القلادة من المركب الإلهي المقدس، ومن فوقه العين اليسرى للإله «حورس»، وهي العين التي أنقذها الإله "تحوت"، والذي يتمثل على هيئة رجل برأس طائر «الإبيس»، وتحيط بجانبي عين حورس حيتان مقدستان، على رأس كل منهما قرص الشمس، وتحملان معًا الهلال، وبداخله القرص الكامل للقمر، الذي يتضمن بدوره نقشًا يمثل الملك واقفًا بين الإلهين «تحوت» و«رع».
وداخل لفة من أعواد النباتات كانت موضوعة في حجرة الدفن بمقبرة الملك «توت» عثر «كارتر» على بوق الملك، وهو آلة موسيقية عسكرية، مصنوع من الفضة، وبوق آخر من النحاس، ويبلغ طول البوق الفضي 58 سم، ويصل اتساع الناقوس إلى 8.8 سم، بينما يتراوح اتساع الأنبوبة التي ينفخ فيها بين 1.7 سم و2.6 سم عند نقطة اتصال الأنبوبة مع الناقوس، ولوحظ أن الأنبوبة المخروطية والناقوس كانا أصلًا عبارة عن قطعتين منفصلتين تم لحامهما بالفضة.
The post توت عنخ آمون وكنوزه التي كشفت أسرار الحكم والعقيدة الدينية appeared first on البديل.